فصل: استيلاء الاتابك زنكي على مدينة حلب.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ولاية زنكي شحنة بغداد والعراق.

ولما ظهر من عماد الدين زنكي من الكفاءة والغناء في ولاية البصرة وواسط ما ظهر ثم كان له المقام المحمود مع السلطان محمود على بغداد كما مر ولاه شحنة بغداد والعراق لم رأى أنه يستقيم إليه في أمور الخليفة بعد أن شاور أصحابه فأشاروا به وذلك سنة إحدى وعشرين وسار عن بغداد بعد أن ولاه على كرسي ملكه بأصبهان والله تعالى أعلم.

.ولاية عماد الدين زنكي على الموصل واعمالها.

قد قدمنا أن عز الدين مسعود بن البرسقي لما قتل الباطنية أباه بالموصل وكان نائبه بحلب فبادر إلى الموصل وضبط أمورها وخاطب السلطان محمودا فولاه مكان أبيه وكان شجاعا قرما فطمع في ملك الشام فسار وبدأ بالرحبة فحاصرها حتى استأمن إليه أهل القلعة وطرقه مرض فمات وتفرقت عساكره ونهب بعضهم بعضا حتى شغلوا عن دفنه وكان جاولى مولى أبيه مقدم العساكر عنده فنصب مكانه أخاه الأصغر وكاتب السلطان في تقرير ولايته وأرسل في ذلك الحاجب صلاح الدين محمد الباغيسياني والقاضي أبا الحسن علي بن القاسم الشهرزوري فأوصى صلاح الدين صهره جقري فيما جاء فيه وكان شيعة لعماد الدين زنكي فخوف الحاجب وحذره مغبة حاله معه وأشار عليه وعلى القاضي بطلب عماد الدين زنكي وضمن لهما عنده الولايات والاقطاع وركب القاضي مع الحاجب إلى الوزير شرف الدين أنو شروان بن خالد وذكر له حال الجزيرة والشام واستيلاء الافرنج على أكثرها من ماردين إلى العريش وأنها تحتاج إلى من يكف طغيانهم وابن البرسقي المنصوب بالموصل صغير لا يقوى على مدافعتهم وحماية البلاد منهم ونحن قد خرجنا عن العهدة وأنهينا الأمر إليكم فرفع الوزير قولهما إلى السلطان فشكرهما واستدعاهما واستشارهما فيمن يصلح للولاية فذكرا جماعة وأدرجا فيهم عماد الدين زنكي وبذلا عنه مالا جزيلا لخزانة السلطان فأجابهما إليه لما يعلم من كيفياته وولاه البلاد كلها وكتب منشوره بها وشافهه بالولاية وسار إلى ولايته فبدأ بالفوارع وملكها ثم سار إلى الموصل وخرج جاولى والعساكر للقائه ودخل الموصل في رمضان سنة إحدى وعشرين وبعث جاولى واليا على الرحبة وولى على القلعة نصير الدين جقري وولى على حجابته صلاح الدين الباغيسياني وعلى القضاء ببلاده جميعا بهاء الدين الشهرزوري وزاد في اقطاعه وكان لا يصدر إلا عن رأيه ثم خرج إلى جزيرة ابن عمر وبه موالى البرسقي فامتنعوا عليه وحاصرهم وكان بينه وبين البلد دجلة فعبرها وبين دجلة والبلد فسيح من الأرض فعبر دجلة وقاتلهم في ذلك الفسيح وهزمهم فتحصنوا بالاسوار ثم استأمنوا فدخل البلد وملكه وسار لنصيبين وكانت لحسام الدين تمرتاش بن أبي الغازي صاحب ماردين فاستنجد عليه ابن عمه ركن الدولة داود بن سقمان صاحب كيفا فوعده بالنجدة وبعث حسام الدين بذلك إلى أهل نصيبين يأمرهم بالمصابرة عشرين يوما إلى حين وصوله فسقط في أيديهم لعجزهم عن ذلك واستأمنوا لعماد الدين فأمنهم وملكها وسار عنها لسنجار فامتنعوا عليه أولا ثم استأمنوا وملكها وبعث إلى الخابور فملك جميعه ثم سار إلى حران وكانت الرها وسروج البيرة في جوارها للافرنج وكانوا معهم في ضيقة فبادر أهل حران إلى طاعته وأرسل إلى جوسكين وهادنه حتى يتفرغ له فاستقر بينهما لصلح والله تعالى أعلم.

.استيلاء الاتابك زنكي على مدينة حلب.

كان البرسقي قد ملك حلب وقلعتها سنة ثمانية عشر واستخلف عليها ابنه مسعودا ثم قتل الباطنية البرسقي بالموصل فبادر ابنه مسعود إلى الموصل واستخلف على حلب الأمير قزمان ثم عزله وبعث بولايتها إلى الأمير قطلغ آية فمنعه قزمان وقال بيني وبينه علامة لم أرها في التوقيع فرجع إلى مسعود فوجده قد الرحبة فعاد إلى حلب مسرعا ومال إليه أهل البلد ورئيسها مضايل بن ربيع وأدخلوه وملكوه استنزلوا قزمان من القلعة وأعطوه ألف دينار وبلغوه مأمنه وملك قطلغ القلعة والبلد منتصف إحدى وعشرين ثم ساءت سيرته وفحش ظلمه واشتمل عليه الاشرار فاستوحش الناس منه وثاروا به في عيد الفطر من السنة وقبضوا على أصحابه وولوا عليهم بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن ارتق الذي كان ملكها من قبل وحاصروا قطلغ بالقلعة ووصل حسان صاحب منبج وحسن صاحب مراغة لاصلاح الأمر فلم يتم وزحف جوسكين صاحب الرها من الافرنج إلى حلب فصانعوه بالمال ورجع فزحف صاحب انطاكية وحاصر البلد وهم يحاصرون القلعة إلى منتصف ذي القعدة من آخر السنة وانتهى عماد الدين زنكي إلى صاحب حران كما ذكرناه فبعث إلى أهل حلب أميرين من أصحابه بتوقيع السلطان له بالموصل والجزيرة والشام فبادروا إلى الطاعة وسار إليه بدر الدولة ابن عبد الجبار وقطلغ آية وأقام أحد الأميرين بحلب ولما وصلا إلى عماد الدين أصلح بينهما وأقاما عنده وبعث الحاجب صلاح الدين محمد الباغيسياني في عسكر إليهما فملك القلعة ورتب الأمور وولى ثم وصل عماد الدين بعده في محرم سنة اثنتين وعشرين وملك في طريقه منبج من يد حسان ومراغة من يد حسن وتلقاه أهل حلب فاستولى وأقطع أعمالها للامراء والاجناد ثم قبض على قطلغ آية وأسلمه إلى ابن بديع فكحله ومات واستوحش ابن بديع فلحق بقلعة جعفر مستنجدا بصاحبها وأقام عماد الدين مكانه في رياسة حلب علي بن عبد الرازق وعاد إلى الموصل والله أعلم.